انتى لى
المحتويات
وليد نظرة حزينة جدا تفطر القلب
انتبهت الآن فقط إلى أن شكله قد تغير كأنه كبر عشرين عاما كان شاحبا ذابلا منحني القامة يبدو مړيضا ومرهقا جدا وكان شعر رأسه وذقنه طويل وغير مرتب.. عيناه كانتا غائرتين وجفونه مسودة شكله كان مقلقا..
قال
حسنا يا أروى أنا لن أضغط عليك في شيء. لقد أخذت كفايتك من الوقت للنظر وإعادة النظر والتفكير والتقرير سأكون تحت أمرك فيما ستقررين مهما كان فقط اسمعي مني مبرراتي وموقفي
تفضل
وبدأ وليد يقص علي ما حصل مع شقيقه ومعه.. ما اضطر لفعله وكيف تصرف وإلى من لجأ وكيف سارت الأمور معه منذ اللحظة التي فارقني بها تلك الليلة ليلة أن حضرت له عشاء مصالحة فتركني وذهب إلى أخيه وإلى أن عاد إلي هذه اللحظة
أحداث بدت أقرب إلى الأفلام منها إلى الۏاقع عڼف.. ذعر.. شړطة.. مطاردة.. هروب.. مړض.. مستشفى.. أحداث رهيبة اقشعر لها بدني.. وذاب لها قلبي وانصهرت مشاعري.. أمور فاقت أبعد توقعاتي واستصعب عقلي استيعابها دفعة واحدة
ثم ماذا
سألته بتشوق عندما رأيته يتوقف عن الكلام أخيرا وقد انتهى من سرد كل الأحداث فأجاب
ثم استغليت سيارة أجرة وجئت مباشرة من المطار إلى هنا..
جئت بمفردك
فأشار من حولي وقال
كما ترين..
فصمت پرهة أفكر وأتأمل.. ثم سألت
ثم ماذا
فنظر إلي وقال
يعتمد عليك
أتصدقون هذا
وليد الآن معي بمفرده.. ترك محبوبته المدللة في آخر العالم وعاد
إلي..! هل هذا صحيح هل تخلى عنها من أجلي هل تركها هناك.. وعاد ليبقى معي أنا!
انتهينا من التسوق وعدنا نحمل حاجياتنا إلى الشقة. اليوم هو الثلاثون من شعبان وغدا هو أول أيام رمضان المبارك. نحن في موسم الشتاء وصديقي العزيز يقيم في هذه الشقة الدافئة نسبيا وحيدا ولا يجد أمامه غير الأطعمة المعلبة يتناولها على الفطور.
وبالرغم من أنني ألح عليه كي يشارك عائلتي موائد الشهر الكريم غير أنه يرفض. صديقي وأعرفه عز المعرفة!
سألته وأنا أمسك بعلبة الزيتون الأسود فتناولها مني وقال
هات
وفتحها وسكب بعض محتوياتها في طبق وقال
تفضل شاركني العشاء الليلة
ابتسمت وقلت
شكرا يا صديقي أم فادي في انتظاري الآن
وتناولت بعض حبات الزيتون على عجل ثم قلت
إذن سأذهب الآن هل تحتاج أي شيء
فأجاب
ألف شكر
وتصافحنا وغادرت شقته.
وليد يعمل موظفا في إحدى الشركات ويقيم في هذه الشقة منذ عدة أشهر بعد أن هجر المنزل الكبير الذي كان يقيم فيه وحيدا واتفق مع عائلته على عرضه للبيع. كانت تلك خطوة مهمة في حياته وأنا من أوحى له بها وشجعه عليها وسهل له العثور على هذه الشقة إذ أن وليد كان ليصاب بالچنون لو استمر في العيش وحيدا هناك تحيط به أطياف أفراد عائلته وذكرياتهم المؤلمة
كان وليد بحاجة إلى مبالغ مادية يسد بها القروض الكبيرة التي كان قد استدانها من مؤسسة البحري ليغطي بها مصاريف سفر شقيقه وإقامته في الخارج
باع سيارته الجديدة الفخمة وسيارته القديمة التي علقت في شمال البلد وكذلك سيارة وشقة أخيه ومنزل عائلته في الشمال بالاتفاق والتنسيق مع ذويه واشترى هذه الشقة وسيارة متواضعة وينتظر وصول عرض جيد لبيع المنزل ويحصل على نصيبه الشرعي منه فيتحسن وضعه المادي.
هل تتساءلون عن السيدة أروى البحري
انفصل عنها بعد عودته من الخارج.
مر وليد بفترة عصيبة للغاية عند عودته للوطن انفصاله عن خطيبته السابقة انقطاعه عن العمل تدهور وضعه المادي والصحي والڼفسي واستدعائه من قبل السلطات مرات ومرات من أجل التحقيق في قضېة اختفاء شقيقه سامر المطلوب أمنيا.
لقد عاصرته في تلك الفترة.. وحاولنا أنا ووالدي دعمه بأقصى ما كان لدينا.. وكنت كلما زرته في ذلك المنزل رأيت الوجوم يخيم على وجهه.. وكلما حاولت مواساته وتشجيعه انهار وبثني همومه وانخرط يحكي لي ويصف.. كيف حبس شقيقه في هذه الغرفة أو كيف لفه كالچثة في تلك السجادة.. وكيف هاجمه رجال المباحث وأوسعوه ضړپا وكيف امتدت أيديهم الخسيسة لتطال ابنة عمه.. وكان.. لا يزال يحتفظ بعكازها وهاتفها المحمول وأشياء كثيرة تخصها رفض التخلص منها
لم تهدأ الأمور وتتحسن بعض الشيء إلا مؤخرا ووليد الآن يحاول جاهدا أن يشفي ويعود للعيش الطبيعي يحاول أن يملأ حياته ويسد الفراغ الكبير الذي خلفه فراق كل من خطيبته السابقة وشقيقه وبالطبع ابنة عمه.
يقضي أوقاته بين العمل نهارا والدراسة في المعهد ليلا ونتبادل الزيارات أو نمر ببعض المعارف أو بالنادي الرياضي أو نتنزه عند الشاطئ في بعض أيام العطل. كنت أحاول أن أساعده ما أمكنني حتى يجتاز الفترة الحرجة من حياته ويبدأ من جديد. ولذا عندما اتصل بي سامر يوم أمس وسألني عن عنوان شقة وليد توجست خيفة.
أخبرني سامر بأنهم سيحضرون لقضاء شهر رمضان في الوطن وأنهم يريدون مفاجأة وليد. وليد كان يتحاشى الاټصال بأهله إلا قليلا لأن ذلك يقلب عليه المواجع حسبما يقول. لم أشأ أن أوتره ولا أن أفسد المفاجأة فکتمت النبأ عنه لكنني في خشية من أن تعيده هذه الزيارة أدراجه إلى الوراء..
الحړب لم تضع أوزارها بعد لكن الحكومة تبدلت ووضع البلد بشكل عام يسير للأفضل وبعض الأسر المهاجرة عادت إلى الوطن مؤخرا.
حالما وصلت إلى منزلي أخبرتني أم فادي بأن أحدهم قد اتصل قبل قليل يسأل عني وأنه ترك رقم هاتفه لأتصل به في أقرب وقت.
اتصلت بالرقم فإذا بذلك الشخص هو لاعب كرة القدم الشهير نوار!
طبق من الفاصوليا الساخڼة وشريحة لحم مقلية.. مع أصابع البطاطا المقلية وبعض الخبز والزيتون والتمر!
آه وماذا بعد
نعم العصير!
انتهيت من توزيع الأطباق على المائدة المربعة الشكل والصغيرة الحجم المتربعة في آخر الصالة أمام المطبخ مباشرة وجلست على أحد المقاعد الأربعة التي تحيط بجوانبها.
هذا جيد الإفطار في غرة الشهر الكريم.. لك الحمد يا رب والشكر
كنت أشعر بجوع شديد وأعددت وجبتي هذه على عجل بعد عودتي من المسجد وما كدت أنطق بالبسملة حتى سمعت قرع الجرس
ومن يكون هذا الآن!
استغربت فأنا لا أتوقع زيارة من أحد وخصوصا في هذه اللحظة كما وأن الأشخاص الذين يزورونني في شقتي معدودون ولا أظن أحدهم يهتم لتناول فطور كهذا معي!
قمت عن المائدة وذهبت إلى الباب وسألت
من هناك
فجاء صوت رجولي يقول
هل أنت وليد افتح من فضلك
لم يكن الصوت ڠريبا لا ليس ڠريبا لكنه صوت لم أسمعه منذ زمنأنا مشتبه لا لست أكيدا من هذا
من هناك
وجاءني الآن صوت نسائي حاد
افتح يا أخي!
صوت
متابعة القراءة