رواية حصاد المر بقلم ډفنا عمر
ابدا يا أحمد مافيش حاجة!
أحاطها بذراعه متمتما تحبي أروح اجيبلك الولاد منه .. أنا لحد دلوقتي ما ادخلتش عشان ده طلبك بس أوعي ياهند تفتكري لحظة إنك لوحدك او مکسورة أنا جمبك وأي حاجة عايزاها هعملها..!
دفنت وجهها بصدره وذرفت دموعها بلوعة شوق لصغارها ولبيتها.. ولكن لا مفر من فراقهما فأحيانا نحتاج اتخاذ مواقف مؤلمة علها تداوي چروحا وتخفف أوجاعا وترمم أرواحا تآكلت وخبأ رونقها..علها تحافط على بقايا عشقها القديم لزوجها.. فلو ضلت معه وتحملت أكثر ..لكانت بغضته وأنمحي داخلها كل حبه الذي لم يغادر حنايا قلبها لتلك اللحظة!! ولكن حين يقارن بعشقها الفطري لمن حملتها وهنا على وهن.. يتضائل أي حب أمامها..!
كفكفت دموعها هاتفة صدقني يا احمد أنا وعصام محتاجين البعد ده شوية عشان نحافظ على اللي باقي بنا.. عشان هو يفهم انا شايلة عنه أيه وبعمل أيه كل يوم وكل ساعة ويجرب بنفسه المسؤلية اللي كان بيستهون بيها طول الوقت وده من أسباب حزني منه .. عصام مش هيحس بيا إلا أما يكون في مكاني وإن كان على الولاد فعلى عيني فراقهم والله بس ده لمصلحتهم بعدين.. ماتحملش أنت همي أهم حاجة ناخد بالنا من ماما ومانقصرش معاها.. وربنا يصلح الحال ويزيل الغمة إن شاء الله!!!
بنتك عندها عمى ألوان ياعصام!
ابتسم عندما لاح من عمق ذاكرته صوت هند الناعم وهي تسخر من إصرار صغيرتهما أن البطاطس المطبوخة لونها برتقالي وليس أحمر!!
فأسرع بصنع الغداء ليكون جاهزا عند قدومهما..!
........................
أثناء الغداء..!
محمد المستر سألنا سؤال في الحصة ومحدش عرفه بس أنا جاوبته يابابا وهو خلى كل زمايلي يصقفولي!
حنان وانا كراسة الرسم بتاعتي خلصت وعايزة غيرها وكمان ألون جديدة!!
حنان أنا اتخانقت مع سوسو صاحبتي عشان اتريقت على شعري لأنه كان منكوش وخاصمتها..!
محمد البنت دي وحشة يا نونة ماتكلميهاش تاني مادام اتريقت عليكي!
صداع رهيب يكاد يشق رأسه نصفين وهو جالس بينهما يسمع ثرثرتهما التي لم تنقطع منذ قدومهما عدم نومه أمس كما يجب وإرقاق عقله من التفكير
محمد بابا..حضرتك هتذاكرلي العربي
زي ماما صح
أصلي ضعيف في النحو بس ماما بتعرف تفهمني!
حنان وأنا عايزك تذاكرلي الأنجليزي بتاع انهاردة يابابا .. وتساعدني في موضوع الرسم لأنه صعب.!
أغمض عينه وأمسك جانبي رأسه بقوة عله يخرس طرقات الألم التي تنغزه دون رحمة.. فلا مجال للراحة التي تمناها بعد الغداء.. يجب ألا يقصر مع صغاره سيفعل ما كانت تفعله هند!! ويتمني النجاح!
هاجمته ذكرى أخرى من ذكرياته الراكده بقاع عقله الباطن وهو يستجلب سخرية كلماته اللاذعة لزوجته وهو يقلل مما تفعله له ولصغاره!! شعوره بالحماقة والغباء الآن يكاد ېقتله خجلا من نفسه!
_ حاضر يامحمد هذاكر معاك العربي وبعدها هذاكر مع أختك الأنجليزي واساعدها في الرسم!!
وبدأ بأختبار جديد مع أطفاله وبكل لحظة يزداد حنقا وضيقا من نفسه كيف استهان بما تفعله هند بمفردها كل يوم! أما هو نفسه فقصة أخرى فلم يذكر بعد عبئه هو وطلباته التي لا تنتهي منها..
وبعد كل تلك المعارك التي تقودها يطلب منها الأهتمام والتزين والتصرف وكأنها لا تعاني من شيء!!
تري! هل نعت نفسه بضميره ثانيا أم. تلك المرة الأولى التي يسب فيها ذاته بأفظع اللعنات!
في منزل الأم فاطمة!
_ عاملة أيه ياحجوجة.. طبعا البت هند واجعة دماغك طول اليوم رغي رغي صح .. ما أنا عارفها..!
هند بضيق مصطنع أنا رغاية يا ميدو.. ماشي! عقاپا ليك مش هتدوق الكنافة اللي عملتهالك مخصوص!
أحمد بمزاح يا بنتي أنا اصلا هاخد الصينية كلها وانا ماشي ليا أنا ويمنى والعيال!
ضحكت هاتفة بالهنا على قلوبكم ياحبيبي!
أحمد مقبلا كف والدته هروح اصلي المغرب واجيلك ياطمطم ثم غمز بعينه ومش هتاكلي غير من أيد ميدو أنهاردة..!
أبتسمت الأم برضا وفرحة شديدة.. فما عادت تقاسي مثل السابق بعد مكوث هند معها ومجيء أحمد يوميا لرؤيتها.. ورغم قلقها على ابنتها وشعورها بأزمة تعصف باستقرارها إلا أنها تطمئن لوجود أخيها.. فلن يسمح أحمد بفشل زواجها.. هي أكيدة من حكمته!
انتفضت من شرودها على تساؤل أحمد بحاجبين مقطوبين فين الخاتم بتاعك يا ماما
رواية حصاد المر بقلم ډفنا عمر
الفصل السادس
ما أقصى الحقائق حين يتساقط عنها رداء الكذب..
فتجد الدمع مجرد لمعة خبيثة في عين أدمنت المراوغة و الخداع..
فين الخاتم بتاعك ياماما
راحت الأم تطالعه والڠضب يلوح بانعقاد حاجبيها ونظرتها القاسېة محاولة إخباره بما لديها.. ولكن كيف والعجز يحجم صوتها الغير مسموع همهمت فقط بحروف مبعثرة على أطراف شفتيها..!
فنظر لشقيقته ينتظر منها توضيحا فهتفت هند
أنا كمان لاحظت اختفاء الخاتم ودورت عليه في كل مكان ممكن يكون وقع فيه بس مالقيتش حاجة فخمنت أنه يكون اتزحلق من ايدها وأحنا بنحميها مثلا ومحدش شافه! ده تفسيري الوحيد يا أحمد!!
عاد بنظره لوالدته فكذبت عيناها تخمين هند البريئة التي لا تدري ما يحدث ولكن هو يعلم أين خاتمها ومن سارقه!!
اندفع مغادرا وصوت هند خلفه يصدح بفزع
_ رايح فين يا أحمد فهمني حصل أيه.. أحمد أحمد!!
لم يجيب وقدماه تقوده سريعا إليها... فريال!
نعم يعلم أنها لم تسرق ولكن هي من أمنت دخول السارقات بكل يسر ليعبثوا بأشياء والدته دون رقيب.. وسيكون العقاپ شديد لجميعهم!
محمد بابا لبس المدرسة بتاعي أنا وحنان كله مش نضيف.. ماما كانت بتغيرلنا اليونيفورم كل 3 أيام..!
حنان والشرابات كلها بقيت وحشة.. مش هينفع نروح المدرسة كده سوسو بتتريق كل يوم عليا مرة شعري المنكوش ومره هدومي المكسرة
محمد أمتى ماما راجعة من عند تيتة يا بابا.. وحشتنا اوي.. وكمان هي اللي بتعرف تعملنا كل حاجة
نفذت طاقة احتماله.. لم يعد قادرا على تلبية طلباتهما التي لا تنتهي! خارت قواه وأصبح مثلهما تماما مهمل غير مهندم وضاعت اناقته التي كانت تحتل الكثير من اهتماماته.. كما تبخر تركيزه الكامل بعمله وهو الذي كان يتشدق مع اقرانه أن المشاكل الشخصية لا مجال لها بالعمل..! تنهد داخله بنفاذ صبر! فأصبح لا حيلة له..في استخدام تلك الآلة الأوتوماتيكية المعقدة التي يجهلها ولم يجربها يوما..!
أجاب الصغار حاضر.. أنهاردة هرجع من شغلي بدري يا ولاد واغسل الهدوم كلها وبعدين هكويها..!
انقضى يوم عمله وعاد لمنزله ليقوم بغسل ملابسه هو واطفاله.. فوضع الكثير من الثياب دون مراعاة لفصل ألوانهما فلا يجوز خلط سروال أسود مع قميص شديد البياض!!! لم ينتبه لجهله بتلك النقطة وبدأ تشغيل آلة الغسيل ولم يدرك أنه قام بالضغط على الذر المخصص لتدفق المياة الساخنة والتي لا تصلح سوى لملابسهم البيضاء وتعد چريمة لا تغتفر بحق قطع الملابس الملونة!!!!
وحانت لحظة اكتشاف نتيجة جهله بإدارة آلة غسيل أوتوماتيكية.. فما أن ابصر الملابس حتى ادرك جريمته! فلم يعد الأبيض بلونه الناصع.. ولم تعد الألون بنفس زهوتها.. بل ازدادت بهتان وربما قبحا..!
ما العمل أذا لقد أفسد الملابس بشكل يخجله أنه يريها لصغاره! وربما يحتاج شراء جديدة بدلا منها..!
قڈف القطع أرضا پغضب وقد فاض كيله من ذاك الحمل الذي اعترف أخيرا أنه كبير عليه.. وقرر شيئا ربما هو الحل الأمثل والوحيد الآن!!!
تصدر الأم فاطمة همهمة وتحاول قول شيء لأبنتها هند ولكن عاجزة عن التفوه بحرف فلم تجد سوى منحها ابتسامة راضية مشجعة وكأنها تواسيها.. هي حقا قعيدة وتعجز عن النطق ولكن قلبها وعقلها مازالو گ ردار يشعر بصغاره..!
أما هند فترجمت جيدا إشارات الأم ولكن راوغتها وهتفت بمرح مصطنع إيه ياطمطم إنتي زهقتي مني عشان قاعدة معاكي كام يوم! أنا مصدقت ارتاح من زن عصام ومسؤلية عياله شوية ويومين وهرجع ماتقلقيش عصام سمحلي بكدة يعني مافيش حاجة تقلق ياجميل.. ويلا بقى ياست الكل عشان اغديكي وتاخدي علاجك!
شق الأجواء رنين الباب المتواصل فهبت تتبين الطارق سريعا وما أن فعلت حتى اندفع صغارها محمد وحنان يعانقانها بلهفة هاتفين
_وحشتينا يا ماما..كده سبتينا كل ده لوحدنا..!
فبادلتهم عناق شديد الدفء والفرحة واللهفة فكم اشتاقت وتمنت رؤيتهما.. ولم تنتبه بعد لعصام الواقف يطالعها بشوق رغم أنه أتى من شدة حنقه وغضبه عليها وطوال الطريق يتخيل كيف سيلقي على مسامعها كلامه اللاذع! ولكن ما أن طالعها وابصر هزلان جسدها ونحوله والسواد الذي استدار حول عيناها وشحوب وجهها.. حتى أشفق عليها ونغزه قلبه لأجلها.. هي أيضا تعاني البعد مثله.. هو أكيد مما يحمله قلبها له ولصغارهما بالطبع..!
تنحنح لتلتفت له